بعد أشهر قليلة على عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول الماضي، طُرحت الكثير من الأسئلة، على ضوء التطورات التي كانت ترافق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، حول التداعيات التي من الممكن أن تنتج عن ذلك، بالنسبة إلى الأوضاع في المنطقة، حيث لا يزال الجميع ينتظر إنتهاء هذا العدوان، الذي قد يتوسع في أيّ لحظة نحو مواجهة شاملة على مستوى المنطقة، في ظلّ الحديث المستمر عن أنّ التسوية المنتظرة، ستكون بحجم التحولات التي فرضتها هذه العملية.
في هذا الإطار، كانت الساحة اللبنانية هي العنوان الأبرز لرصد التحولات، خصوصاً بعد إنضمام الجبهة الجنوبيّة إلى دائرة المواجهات العسكريّة، حيث علامات الإستفهام الأبرز كانت ترسم حول تفاعل الشارع السنّي مع خيار المقاومة، خصوصاً بعد أن كانت "الجماعة الإسلاميّة"، من خلال جناحها العسكري "قوّات الفجر"، قد عادت إلى العمل المسلح، على ضوء موجة واسعة من التعاطف مع حركة "حماس"، في ظلّ ما يحصل في قطاع غزة.
وفي حين كان البعض يسعى إلى التقليل من هذا التحول، على قاعدة أنّه ظرفي لا يمكن البناء عليه، كانت العديد من الجهات الإقليمية والدولية تسعى إلى دراسة الواقع المستجد، وهو ما قاد، خلال زيارة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى بيروت في الرابع من شباط الماضي، إلى إعتبار أنّ الإشارات حول عودته المحتملة إلى العمل السياسي تأتي في سياق العمل على إحتواء ما يحصل.
هذه المقدّمة، بالنسبة إلى الواقع على الساحة اللبنانية، أكثر من ضرورية لقراءة نتائج الإنتخابات البرلمانية في الأردن، كمؤشر يمكن البناء عليه بالنسبة إلى المشهد في المرحلة المقبلة، حيث نجح حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الجناح السياسي لجماعة "الإخوان المسلمين"، بتحقيق مكاسب كبيرة في الإنتخابات، فائزا بـ32 مقعداً، بينهم 18 عن القائمة الحزبيّة العامة، ليكون الأول بلا منازع.
في هذا السياق، تلفت مصادر سياسية أردنية، عبر "النشرة"، إلى أنه على الرغم من العديد من العوامل الداخلية المؤثرة في نتائج الإنتخابات، إلا أنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لعب دوراً أساسياً في تعزيز حضور "جبهة العمل الإسلامي"، التي كانت قد أبدت، منذ اليوم الأول، مواقف داعمة لفصائل المقاومة الفلسطينيّة، وقد جاءت العمليّة التي نفذها ماهر الجازي، عند معبر الكرامة قبل يومين من الإنتخابات، لتعزّز من حضور الحزب على المستوى الشعبي.
وفي حين تشير المصادر نفسها إلى أن نتائج الإنتخابات البرلمانية، على المستوى الداخلي تحديداً، قد لا يكون لها تداعيات كبرى، بسبب تركيبة النّظام الأردني، إلى جانب عدم حصول الحزب وحده على الأغلبيّة البرلمانيّة، تؤكّد أنّ هذه النتائج لا يمكن التقليل من أهميتها على الإطلاق، بالنسبة إلى ما قد تحمله معها من مؤشّرات، ما يفرض رصد المؤشرات التي قد تظهر في المرحلة المقبلة بشكل دقيق، خصوصاً أن هذه الإنتخابات كانت موضع متابعة من قبل العديد من الجهات الإقليميّة والدوليّة المؤثّرة في المنطقة.
من ناحية أخرى، توضح مصادر متابعة لمسار الحركة الإسلامية، عبر "النشرة"، إلى أنّه في السنوات الماضية طُرحت الكثير من النظريات حول إنتهاء دور جماعة "الإخوان المسلمين" في المنطقة، لا سيّما بعد التطورات التي كانت قد تلت أحداث الربيع العربي، وإسقاط الرئيس المصري محمّد مرسي، الأمر الذي كان مقدمة نحو إنتكاسة تعرضت لها فروع الجماعة في العديد من الدول التي كانت وصلت إلى السلطة فيها.
بالنسبة إلى هذه المصادر، نتائج الإنتخابات البرلمانية في الأردن تعيد خلط الأوراق من جديد، خصوصاً أنها ستؤمّن مادّة إعلامية مهمة لهذه الجماعة على مستوى المنطقة، بالرغم من أن قيادات "جبهة العمل الإسلامي" نفسها لم تكن تتوقع تحقيقها، من دون أن يعني ذلك أن الأجواء مرجّحة لموجة جديدة ممّا يسمى "الربيع العربي"، بسبب إختلاف الظروف الحالية عن تلك التي كانت قائمة في الماضي، لا سيما أن تركيا، التي كانت تعتبر الراعي الرسمي لـ"الإخوان المسلمين"، هي اليوم في مكان آخر، تسعى فيه إلى إعادة ترتيب أوراقها مع الدول التي كانت على خصومة معها.
في المحصّلة، تجزم المصادر نفسها بأنّ ما يمكن التأكيد عليه، رغم ما تقدم، هو أن العدوان على غزة أعاد بعث بعض الروح في جسد الجماعات الإسلامية السنية، التي كانت تعاني من نكسة كبرى، من دون أن يعني ذلك أنها ستكون قادرة على إنتاج التجربة الماضية التي قادتها إلى السلطة، وتؤكد أن هذا الأمر سيقود بعض الدول العربية، خصوصاً الخليجية، إلى القيام بتحركات كبرى، أو تسريع أخرى كانت قد بدأت بها في الفترة الماضية، من أجل إعادة العمل على إحتواء هذه الموجة الجديدة.